أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

عابد الجابري: حينما اقترحنا إقامة نظام لا مركزي ديمقراطي في الصحراء قبل عقود

هذا ما كتبه المفكر المغربي الكبير الراحل عابد الجابري في لحظة هدوء عن الصحراء المغربية، وقال إنها مغربية كما كانت، وليس في ذلك نقاش، ثم شرح أسباب اقتراح الحزب الذي كان ينتمي إليه، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي على عهد زعيمه عبد الرحيم بوعبيد، مقترح نظام حكم لا مركزي ديمقراطي في الصحراء. ورقة للذكرى يعيد موقع "فبراير" نشرها في سياق الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.

عابد الجابري: حينما اقترحنا إقامة نظام لا مركزي ديمقراطي في الصحراقبل عقود

  • فبراير
  • كتب يوم الثلاثاء 10 نوفمبر 2015 م على الساعة 22:39
المفكر المغربي الكبير الراحل عابد الجابري في لحظة هدوء عن الصحراء المغربية، وقال إنها مغربية كما كانت، وليس في ذلك نقاش، ثم شرح أسباب اقتراح الحزب الذي كان ينتمي إليه، وهو حزب الاتحاد الاشتراكي على عهد زعيمه عبد الرحيم بوعبيد، مقترح نظام حكم لا مركزي ديمقراطي في الصحراء. ورقة للذكرى يعيد موقع "فبراير" نشرها في سياق الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء.
معلومات عن الصورة : عابد الجابري: حينما اقترحنا إقامة نظام لا مركزي ديمقراطي في الصحراء قبل عقود
نجحت المسيرة الشعبية وأدت مهمتها  واسترجع المغرب صحراءه، وحان موعد تدشين « المسلسل الديمقراطي » بالانتخابات المحلية، وقد تزامن ذلك مع تطورات معاكسة للمغرب على الصعيد الدولي، فاقترح  حزب المعارضة « الاتحاد الاشتراكي » بهذه المناسبة القيام بتمتين عرى الجبهة الداخلية بتوسيع مدى التجربة الديمقراطية لتشمل الصحراء المسترجعة، وذلك بإقامة نوع من الحكم اللامركزي فيها « يعطي لإخواننا الصحراويين –كما قال رئيس المكتب السياسي لحزب المعارضة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد- صورة عن المغرب غير الصورة التي يعرفونها اليوم، صورة تجعلهم يطمئنون على مستقبلهم… وفي هذا الإطار نرى أنه يجب التفكير منذ الآن في نوع من اللامركزية الواسعة التي يجب إقامتها في الصحراء، تجعل سكانها يقتنعون بأنهم يمارسون بكل اطمئنان صنع مستقبلهم كجزء لا يتجزأ من الشعب المغربي. إننا إذا فعلنا ذلك سنضع حدا للدعايات المغرضة التي تشوه نوايا الشعب المغربي. إن إقامة نظام لا مركزي ديمقراطي في الصحراء شيء أساسي وضروري، لأن الوضع الجغرافي والاقتصادي والبشري يفرض ذلك ».
وقد تولى كاتب هذه السطور توضيح الفكرة على صفحات جريدة الحزب التي كان يشرف على التوجيه فيها، فكان مما أكد عليه في هذا الصدد « أن الصحراء كانت دائما وستظل دائما مغربية، ولكن هناك واقع تاريخي جغرافي اجتماعي لا يمكن نكرانه. فمن الناحية السياسية كانت الصحراء المغربية تابعة للسلطة المركزية. كان السلطان يعين نائبا عنه هناك يكلفه مع المواطنين الصحراويين بالسهر على الأمن والقيام بمختلف الواجبات الوطنية. كانت هناك لامركزية تفرضها طبيعة المنطقة، فعلاقة المنطقة لم تكن مع السلطان مباشرة بل عبر نائب له واسع الصلاحيات. ومن الناحية الجغرافية إن صحراءنا الجنوبية مترامية الأطراف قليلة العمران صعبة المواصلات فكيف يمكن عمليا السيطرة مركزيا على إقليم من هذا النوع. ومن الناحية الاجتماعية ما زال معظم سكان الصحراء المغربية بدوا رحلا يتنقلون بإبلهم وخيامهم في هذه الصحراء المترامية الأطراف تنتظمهم نظم وعادات وتقاليد وأعراف هي نسيج وحدتهم الاجتماعية. إن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبشرية في الصحراء تشكل نمطا خاصا: لا يمكن مثلا منع الصحراويين في إقليمنا المسترجع من الاتصال بالمصاهرة أو بالتجارة أو بغيرها مع السكان الصحراويين في موريتانيا أو في الجزائر، ولا يمكن إقامة حدود جمركية فعالة… ». ذلك ما كتبناه في 1976.
والآن وقد قدم المغرب مشروعا للحكم الذاتي أوسع، يتساءل المراقبون عما ستكون عليه نتيجة طرحه على مجلس الأمن؟
بالنسبة للمغاربة، النتيجة معروفة. فمن جهة لا ينتظر أن يتوصل مجلس الأمن إلى قرار حاسم، إذ لا ينتظر أن يتحول « المجتمع الدولي » من سياسة « نعم، ولا » إلى قرار حاسم. لكن المغاربة ينظرون إلى القضية من منظور الواقع: لقد استرجعوا صحراءهم، وجيشهم حاضر فيها وقد حصنها بجبال من الرمل ليس من السهل اختراقها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أعادوا بناءها –بل بنوها ابتداء لأنها لم تكن مبنية- بنوها عمرانيا وإداريا واقتصاديا وثقافيا، بأموال من ميزانية الدولة المغربية ككل.
نعم لقد كانت هناك أخطاء ارتكبت في حق الشباب الصحراوي الذي كان يدرس في الجامعات المغربية، أخطاء ارتكبت منذ الحقبة الاستبدادية التي كان فيها أفقير وزيرا للداخلية واستمرت الأخطاء ترتكب إلى أواخر عهد المرحوم الحسن الثاني. لكن هناك حقيقة تاريخية لا يمكن الجدال فيها وهي أن الشعب المغربي بقيادة الحسن الثاني ومشاركة فعالة من المعارضة في عهده قد استرجع صحراءه منذ أزيد من ثلاثين سنة، استرجاعا نهائيا ليس فيه مكان لاحتمال الرجوع إلى الوراء.
أما مشروع إقامة دولة في هذه الصحراء فلم يعد له مكان في السياسة الدولية: لقد كان ذلك المشروع يهدف إلى إقامة بؤرة « ثورية » تكون منطلقا لـ » تحرير » ما حولها، في إطار محاربة الإمبريالية زمن الحرب الباردة. كانت هنا « بؤر ثورية » مماثلة على الصعيد العالمي، مثل غينيا وإثيوبيا في إفريقيا الخ. هذا المشروع قد مات بسقوط الاتحاد السوفيتي. وقد استخلص سكان المناطق التي كانت معنية به الدرس اللازم. ولا أعتقد أن الشباب الصحراوي، الذي كان قد انخرط في هذا المشروع، سيتأخرون أكثر مما فعلوا، عن استخلاص الدرس.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق