أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 5 ديسمبر 2015

رمضانيات 2…الشماعية: ذاكرة منطقة أحمر


رمضانيات 2…الشماعية: ذاكرة منطقة أحمر


رمضانيات 2…الشماعية: ذاكرة منطقة أحمر



اليوسفية 24- الأستاذ المصطفى حمزة
تقع مدينة الشماعية في الجزء الشرقي من إقليم آسفي، على المحور ألطرقي الرابط ما بين آسفي ومراكش من جهة، والجديدة وشيشاوة من جهة ثانية.
مساحتها 19 كلم وعدد سكانها حوالي 22 ألف نسمة أغلبهم من قبيلة احمر.
الشماعية: التاريخ والإنسان.
1 ـ التاريخ:
طبيعي أن أي تجمع بشري يكون في حاجة إلى اسم يدل عليه، وهذا الاسم غالبا ما يكون مشتقا من معلمة طبيعية أو بشرية… ومن هنا كانت حاجة قاطني الشماعية في السابق إلى اسم فكان في البداية (القصبة الإسماعيلية ) ثم فيما بعد أصبح ( الشماعية ) فكيف تم هذا التحول؟
فالرواية الشفوية المتداولة محليا، تشير إلى ارتباط اسم ” الشماعية ” بصناعة الشمع،( وهو المعنى الأول الذي يعطيه كل إنسان لهذا الاسم، عند سماعه إياه حتى الوقت الحاضر) وتستدل على ذلك، بكون إحدى الأسر التي كانت تقطن بالمنطقة، كانت تزاول هذه الحرفة ( صناعة الشمع )، فسمي أفرادها بعائلة الشماع، ومن الشماع تم اشتقاق اسم الشماعية.
لكن تداول اسم ( القصبة ) سواء في الموروث الشعبي، ( عندي كية في القصيبة الشماعية )(1)، أو في مراسلات المراقبين المدنيين في بداية الحماية الفرنسية للمغرب إلى قواد المنطقة، كما تؤكد ذلك إحدى مراسلات المراقب المدني إلى القائد علال بن أبا بتاريخ 5 ماي 1916م « بلغنا أن جمالا مارين بهم أناس من قصبة الشماعية حاملين الملح من مطامير ملك السواقة وهذا الملح كان مشترى هذه مدة من نحو شهور ومولى سوق زيمة وجه لك هؤلاء السواقة الخمسة مع صاحب اسمه ڭرام وقد جعلت عليهم عشر ريالات خطية لكل واحد وأعطيت سخرة ساحب رب السوق عشرون ريالا، فلا بد تخبرني بحقيقة هذه القضية حرفا ولا بد والسلام في 10 رجب عام 1334ھ » كما أنه لازال متداولا من طرف سكان المناطق المحيطة بالمدينة إلى اليوم، وهو ما جعلنا نأخذ بالرواية التي تشير، إلى أن الشماعية كانت في السابق تحمل اسم ( القصبة الإسماعيلية ) نسبة إلى السلطان المولى إسماعيل، كما يؤكد ذلك صاحب الإتحاف، الذي أقام بها ـ باعتبارها نقطة استراتيجية ـ قصبة كانت ترابط بها حامية عسكرية تمدها قبيلة احمر بالمؤن…
وعرف عن السلطان مولاي إسماعيل كذلك، أنه كان يبعث إليها وإلى نواحيها بغلمانه ليتعلموا الرماية الشعبية والفروسية على يد شيوخ احمر الذين كانت لهم في ذلك قوانين مسنونة وشيوخ يرجع لهم فيها. ، وأن سيادة اسم الشماعية على الإسماعيلية راجع بالأساس ـ حسب إحدى الروايات ـ إلى تحريف في نطق الإسماعيلية لدى سكان آسفي ( التجار القدماء ) الذين كانوا يمرون بالإسماعيلية في طريقهم ذهابا وإيابا إلى مراكش، وبما أنهم ينطقون السين شينا، فقد تحولت الإسماعيلية إلى الشماعية.
ومن هنا تعتبر الشماعية رمزا ودلالة لشيء مادي هو ( القصبة ) و معنوي هو ( السلطان مولاي إسماعيل ) بدليل أنه بنى بها قصبة ظلت معالمها متواجدة إلى الستينيات من القرن الماضي، لا زال العديد من أبناء المدينة، يحتفظون في ذاكرتهم بمعالمها العمرانية المغربية الأصيلة.
2 – الإنسان: ما أسعفتنا به مجموعة من المصادر التاريخية، هو أن أصل ( الحمر يين ) سكان مدينة الشماعية و منطقة أحمر من عرب معقل، الذين قدموا من المشرق العربي ( اليمن ) خلال القرن 5 ه / 11 م، وأن أول استقرار لهم كان بالجنوب المغربي، ما بين وادي درعة، و نهر السنغال، كما تؤكد ذلك مجموعة من المصادر التاريخية.
أما عن انتقالهم نحو الشمال، حيث يتواجدون اليوم ( منطقة احمر ) فقد ارتبط بتوسعات الدولة السعدية التي اتخذت منهم جنودا، لتصد بهم البرتغال الذين كانوا قد توغلوا انطلاقا من آسفي نحو الداخل ( أحواز مراكش )، وإذا كانت باقي العناصر الحمرية قد انتشرت عبر المجال الجغرافي لمنطقة احمر، فإن المناصير ( تحول هذا الاسم إلى الدرابلة ) وأولاد ميمون ( لا زالوا يحملون هذا الاسم إلى اليوم ) اتخذوا الشماعية كمجال للاستقرار، وبذلك يعتبرون السكان الأصليين للمدينة، كما يعتبرون أنفسهم من بين عناصر الجيش السلطاني، حيت شاركوا مع السلاطين العلويين في العديد من الحركات.
كما تعتبر مدينة الشماعية من بين المدن المغربية، التي درس بها أبناء السلاطين العلويين، ومن بينهم السلطان الحسن الأول، و السلطان عبد الحفيظ، والأمير مولاي الكبير، ومرافقيهم من أبناء المحاسيب وأعيان الجيش والمخزن…حيث تم تشييد مدرسة لهم بوسط المدينة بين حي الدرابلة وحي الحبابضة منذ عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، كانوا يقرءون بها القرآن، ويدرسون مختلف العلوم التي كانت سائدة آنذاك، وفق برنامج محكم، واستعمال زمن مضبوط، ممتد ما بين الفترة الصباحية والفترة المسائية طيلة أيام الأسبوع، باستثناء الفترة المسائية من يوم الأربعاء التي كانت مخصصة لتعلم الرماية، وكل يوم الخميس الذي كان مخصصا للتدريب على ركوب الخيل.
وكان يشرف على تعليمهم القرآن وتدريسهم مختلف العلوم أساتذة أجلاء، من داخل منطقة احمر وخارجها مثل:
العلامة والمؤرخ أحمد بن محمد بن حمدون بن الحاج السلمي المراد سي ( ت 1316 ه ) أستاذ الحسن الأول وأبنائه. والأديب والفقيه سي فضول المكناسي، أستاذ المولى عبد الحفيظ، وأخيه مولاي الكبير…
ولا زال العديد من مكونات هذه المعلمة المعمارية والتربوية، من سور، وأروقة، وغرف… محافظا على طابعه المعماري وعلى شكل بنائه ومكوناته، رغم قساوة الظروف الطبيعية، وتدخل الإنسان سواء من خلال تهديمه لبعض الأجزاء، أو من خلال تغييره لبعض المعالم المعمارية، في غياب تام للمسئولين على تدبير الشأن المحلي والحفاظ على ذاكرة المدينة.
سكان مدينة الشماعية يعشقون تاريخ مدينتهم حتى النخاع، إذ لا تخل لحظة من لحظات اجتماعاتهم الحميمية، دون صبر أغوار هذا التاريخ ضمن سياقات متعددة، تبدو معها المدينة أحيانا موغلة في القدم مقارنة مع باقي مدن الإقليم، وأحيانا أخرى نموذجا للمدن التي أنشأها المستعمر من حيت تصميمها الهندسي، وبنيتها التحتية، ومرافقها الترفيهية من ملعب لكرة المضرب، وملعب للفروسية، ومسبح وحدائق…
يحدد لك أبناء الشماعية، الأمكنة وتاريخ بنائها، ويقدمون لك إحصائيات عن عدد الأشجار التي كانت متواجدة بالمدينة وأنواعها، وأكثر من ذلك يسردون عليك أسماء المراقبين المدنيين الذين تعاقبوا على حكم المنطقة منذ بداية الحماية إلى نهايتها…
يقدم لك أبناء الشماعية كل شيء عن مدينتهم، ولكن لا يفوتهم أن يقدموا لك كذلك أنفسهم كشهود على ما تتعرض له مدينتهم من تدمير لمعالمها العمرانية، وطمس لهويتها التاريخية، وتبذير لإمكانياتها الطبيعية والمادية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق