أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 16 يناير 2016

متعة جنسية مقابل ثروة وجاه وامتيازات


متعة جنسية مقابل ثروة وجاه وامتيازات


الجنس قنطرة عبور آمنة لتحقيق المتعة المتبادلة. شعار تقليدي لم يعد له

 اعتبار لدى البعض. خاصة بعدما أصبحت الخدمات الجنسية أقصر طريق 

لتحصيل امتياز الجاه والثروة والوظيفة.. في هذا الاستطلاع، نتناول تجار

ب أشخاص بعضهم يجرون ورائهم تفاصيل حكايات مؤلمة بين ثنايا حيوات

 ثقيلة ومملة. أشخاص دفعتهم الحياة دفعا إلى منطق «الجنس مقابل

 امتيازات». منهم قلة امتلكت الشجاعة والجرأة، وأخرجت فصول القصة 

«الحمراء» إلى الضوء، نيابة عن القابعين في الظل، بسبب رحلة البحث 

الحميمة عن الجاه والثروة وغيرها من الامتيازات.


فجأة وجد نفسه في خضم سوق استثنائى، تخضع معاملاته لقانون العرض

 والطلب والتفاصيل الرضائية. سوق يعتمد على معادلة خدمات في مقابل 

أخرى. الكثير من الرجال، يعتمدونه كمورد معيشي ثانوي، حيث تبدأ فصول 

مغامراتهم المفتوحة بمحادثات بسيطة سرعان ما تتحول إلى كلام مكشوف 

عن “الطقوس الحمراء”. البعض يعتبر إشباع الرغبات الجنسية الشائخة 

واجب لا ينتظر عنه مقابلا. لكن آخرون يجعلون من مهمات قضاء أوطار 

“الميمات” خدمات يبلون فيها من الجهد، مايجعلهم في حاجة إلى مقابل

 مادي محترم


الجنس ومنافع
 أخرى

كانت بداية سمير أو “الشاب الطائش”، كما يلقبه أصدقاؤه المقربون مع

 نزوة “استثنائية”، قادته إلى تلمس خطواته الأولى في مجال الجنس مقابل

 الحظوة والامتيازات. البداية كانت مع عروض التسلية البريئة في مواقع 

الشبكة العنكبوتية، ليصبح اليوم من نجوم عالم “الجلساء المحترفين”

.
قبل أربعة سنوات، كان يكتفي بعمله الأساسي، كتقني متخصص في صيانة

 المصاعد بإحدى الشركات بمدينة الدارالبيضاء. لكنه اليوم أصبح شخصا 

موهوبا في تفريغ الحمولات والشحنات الجنسية مقابل امتيازات خاصة.


«في البداية كنت أخصص وقتا طويلا لغرف الدردشة المختلفة ومواقع

 التواصل الاجتماعي وغيرها، أتذكر أن أول مرة تلقيت فيها عرضا بممارسة 

الجنس الواقعي مقابل المال، كانت عبر نادي إلكتروني للخدمات الجنسية،

 العرض كان عبارة عن جملة قصيرة ورقم هاتفي .. امرأة ناضجة تبحث

 عن وقت للمتعة بمقابل مادي تدفعه»، يحكي سمير بترو شديد، ويستطرد : 

«لم يكن يهمني ممارسة الجنس مع امرأة تكبرني بسنوات كثيرة، الأهم

 عندي هو جني مداخيل مالية إضافية، أنا رجل وليس لدي ما أخسره، 

لايمكنني أن أرفض عرضا من امرأة متعطشة للجنس قصد إقامة علاقة معها 

لن أؤدي عنها مقابلا ماديا». كشف سمير من خلال خبايا مهنته المحببة 

عن تفاصيل أكثر غرابة من خلال قصص علاقاته الساخنة مع مغربيات، 

ينتقلن للأحياء الهادئة بالقرب من كورنيش العاصمة الاقتصادية من أجله 

خصيصا. كما يتوصل في بعض الأحيان بدعوات خاصة من سيدات أعمال 

عازبات. إضافة إلى تذاكر سفر ذهابا وإيابا لقضاء عطل ساخنة مع محظياته.

«أشتغل وفق نظام الساعات الحرة، وأفكر في ترك عملي الرئيسي، ولا أدخل 

في علاقات مع قاصرات، عموما أعتبر عملي مجرد علاقات جنسية عابرة، 

أقيمها مع زبونات ميسورات يطلبن الخدمة مقابل بعض الامتيازات 

الاجتماعية»، ويستطرد : «في ظرف أربع سنوات، أقمت علاقات متباينة 

الفترات مع حوالي ثمان سيدات من علية القوم، تمكنت خلالها من الحصول 

على أرقى الملابس والساعات، إضافة إلى سيارة خاصة، ورصيد بنكي 

محترم، أفكر بجد في طريقة استثماره».






متيازات «ساخنة» وراء أسوار السجون
بعيدا عن عالم الحرية. يبقى منطق الخدمات الجنسية وراء أسوار السجون، خاضعا لاستئناءات تُرسم تفاصيلها الغرائبية داخل دائرة الاستثناء الذي يمثله الفضاء المخصص لتقييد حرية المجرمين. من وراء القضبان، تطل حكايات تبدو غير مألوفة تنعت بالخيالية في بعض الأحيان، ويبقى القاسم المشترك بينها تأمين امتيازات «خاصة»، تمكن السجناء والسجنيات من مواصلة العيش حسب قانون الزنازن.
بعيدا عن خانة القصص الأعتيادية عن حيل تهريب المخدرات داخل المؤسسات السجنية، تطفو على السطح بعض الوقائع الفاضحة التي تحمل في طياتها، توصيفات عن ثقافة تقاطع المصالح، وتتعدد المكاسب من خلال ممارسات تضرب بجذروها بين ثنايا يوميات السجن الثقيلة والمملة، ويزيدها قتامة أحاسيس بعض السجناء، اللذين عجزوا عن الوقوف بوجه “التحالف” الحاصل بين الأقدار وقوانين المؤسسات السجنية، ليجدوا أنفسهم في مواجهة تجارة وقودها عرق الأجساد مقابل ضمان امتياز مقومات “التعايش السلمي” مع باقي السجناء والسجينات.
عز الدين (سجين سابق)، اعتبر أن «الجنس مقابل امتيازات» هو شعار معمول به داخل السجون، وشائع بشكل قوي على مرأى من الأجهزة الإدارية المكلفة بالإشراف على المؤسسات السجنية. أكثر من هذا، أورد عز الدين، أن الممارسات الجنسية الفاضحة من لواط وسحاق وغيرها، تبقى من بين أسهل الحلول التي تمكن فئات عديدة من السجناء والسجينات من ضمان بعض الامتيازات الاجتماعية وعلى رأسها تأمين الحماية، والتغذية الحسنة، وغيرها.
«هناك موظفون متورطون في تمكين سجناء من طينة خاصة من ممارسة حميميتهم في مقابل رشاوى»، يحكي السجين السابق، الذي أوضح أن المثليين في بعض السجون يستفيدون من أجنحة خاصة. حيث يتعمد حراس المعاقل إبقاء الأبواب مفتوحة أمامهم، وهم يرتدون باروكات واكسسوارات وأزياء نسائية يعرضون خدماتهم في مقابل لفافة حشيش، أو الحصول على قفة خضراوت وفواكه.
«حتى السجينات يستفدن من هامش كبير من الحرية، حيث يستمتع بعضهن بالتجول في الأبهاء والساحات خلال ساعات النهار، طلبا للمتعة المدفوعة في أحضان من يملك المال، أو بطاقات تعبئة هاتفية، أو طعام لائق، أو مبلغ مالي ..»، يضيف عزالدين، ويستطرد أن تأمين «الخدمات المتبادلة»، تقع على عاتق الحراس، الذين تجبرهم أموال بارونات المخدرات على تحويل العيادة الطبية أو غيرها من مرافق السجن، إلى فضاءات إباحية يحكمها منطق «الجنس مقابل امتيازات».
الشعور بالقذارة
«قبح الله الفقر» هكذا صدر الحكم اختصارا من طرف الاختصاصية النفسية الدكتورة حورية إدومهيدي تجاه الأوضاع الإجتماعية القاسية التي تدفع الكثير من النساء إلى الدخول فيما يشبه “تبادل المنفعة” مع أطراف قادرة على الدفع، أو ضامنة لبقائهن داخل عمل ما.
بعبارة أخرى تستنكر الإختصاصية بشدة ظاهرة تقديم بعض النساء لخدمات جنسية من أجل الاستفادة من “إمتيازات” قد تبدو هزيلة بالنسبة لمن تحتفظ ذاكرته ببعض الحكايات حول امتيازات كبيرة يتم من خلالها تفويت سيارات، أو مساكن فخمة… ما تتحدث عنه الدكتورة إيدومهيدي بنبرة غلب عليها التوتر الممزوج بالكثير من الأسى الموجه لهذه الفئة التي تقول الدكتورة اختصارا،»والله ما عرفت آش غادي نديرو ليهم، أنا براسي معرفتش الحل«
تقف الدكتورة عاجزة عن الحل عندما تصادف الكثير من النساء اللواتي يعترفن لها بأنهن قدمن تنازلات جنسية من أجل الحفاظ على امتيازات هزيلة بسبب غياب البديل في إعالة أبنائهن. تشعر النسوة بالكثير من المذلة، وتأنيب الضمير ليضعن أنفسهن في خانة القذارة نتيجة صراعهن مع ما يمليه الضمير، ومايعشنه. يحملن في نهاية المطاف نفس السؤال الذي يدفعهن إلى اللجوء نحو الكثير من مراكز الإستماع بحثا عن الحل.
»أعجز عن اقتراح حل ما عندما تواجهني بعض الحالات بطلب الحل بعد سرد قصصهن المحزنة… ما الذي يسعني أن أقوله لهن في هذه الحالة ؟! .. لا يمكنني أن اكتفي بنصيحتهن بأن يبحثن عن عمل، لأنه ليس متوفرا في الكثير من الأحيان، كما أن البحث يتطلب وقتا، مما يعني أنها ستضعف من جديد بسبب غياب من يعيلها، ويعيل أولادها« تقول أدمهيدي التي تتحدث انطلاقا من معطيات ميدانية يتجاهلها الجميع، على الرغم من تناسل القصص حولها داخل فضاءات مختلفة.
يقدمن خدمات جنسية.. لأنه لا بديل
داخل أحد الأحياء الهامشية بضواحي البيضاء، حيث البيئة الحاضنة للعديد من الممارسات التي يفضل كثيرون إبقاءها في دائرة الظل، تتحدث إحدى الفاعلات الجمعويات ممن فضلن عدم ذكر إسمهن، أو اسم جمعيتهن حتى لا يعتقد أن الكلام يخص جميع زائرات الجمعية اللواتي يطرقن بابها من أجل الإستشارة في مواضيع متعددة، ومن بينها عدم تردد الكثير من المطلقات والأرامل في “استثمار” قهري لأجسادهن من أجل الإستفادة من بعض الإمتيازات.
«هناك العديد من النساء اللواتي اضطررن للعمل من أجل إعالة أبنائهن، لكنهن للأسف انجرفن خلف نزوات المشرفين عليهم في العمل من أجل الدخول في علاقات مشبوهة حتى لا يتم إقصاؤهن من العمل، أو يسمح لهن بالخروج باكرا…« تقول الجمعوية التي تتوفر على العديد من القصص لنساء وصفتهن أكثر من مرة بكونهن نساء مكرهات على فعل أشياء يعتبرنها قذرة، »لكنها البديل الوحيد لتوفير المال الذي سيحميها وأبناءها من التشرد«.
الحماية ليست دائمة بالضرورة، حيث ينتقل المساوم من امرأة إلى أخرى  بسبب تشابه ظروفهن الإجتماعية، وهو ما يفتح في النهاية باب المنافسة بين العاملات، «هناك حالة لمطلقة تعيل ثلاثة أبناء حرمت من عملها مرتين بعد أن تخلى عنها الرجلان واتجها لفتيات أخريات.. وهنا يكمن الخطر في هذه الظاهرة لأن بعض الفتيات يرغبن في الحصول على ما يعتبرنه امتيازا من قبيل التخفيف من ضغط العمل بتفويته لعاملة أخرى، أو التمكن من الخروج باكرا، أو ضمان وسيلة نقل، أو بعض المبالغ المالية…« تقول الجمعوية التي ترى أن العديد من النساء يشعرن بالقلق الدائم خوفا من خروج تفاصيل العلاقة نحو محل سكناهم، بعد تيقنهن أنها تصبح مفضوحة داخل إطار العمل.
يختلط الخوف من الفضيحة مع الخوف من فقدان مورد الرزق المشبوه، لكن غياب البديل يدفع هذه الفئة من النساء إلى الاستمرار في الدرب المظلم. لا يتوقف الأمر على المطلقات أو الأرامل، بل هناك حالات لنساء متزوجات يعملن على تقديم تنازلات من أجل توفير متطلبات تتجاوز الضروريات لتصل إلى الكماليات «للأسف الشديد هناك بعض الزوجات يعملن على تقديم خدمات جنسية بعلم الزوج الذي لا يكلف نفسه عناء التساؤل عن طبيعة عمل زوجته التي يمكنها أن تملأ المائدة بمختلف أصناف الأطعمة، مع تزويده بالمال، لكنها لا تسلم بالمقابل من بطشه وتصرفاته اللامتوازنة حيث يضربها، وينكل بها، وينعتها بأقبح النعوت« تقول الإختصاصية النفسية حورية إدومهيدي التي تؤكد وجود العديد من المآسي المنتشرة بسبب هذه الظاهرة.
مرضى نفسانيون وفاقدون للتوازن العاطفي
لا يتوقف الأمر على تلقي التعنيف، حيث تتحول الكثير من النساء ممن اخترن المتاجرة بأجسادهن من أجل الحصول على “إمتيازات” إلى شخصيات تتسم بالعنف والمزاجية، » هناك العديد من الحالات لنساء يلجأن لضرب أبنائهن بشدة كلما شعرن بالذنب.. إحدى الأمهات كانت تقوم بضرب ابنها معتقدة أنه السبب في خضوعها للإغراءات المادية من طرف أحد السائقين الذي يتكلف بمصاريف دراسة ابنها، مقابل تلبية رغباته « تقول الجمعوية التي تؤكد وجود العديد من الحالات المشابهة.
يسلط الضوء كما العادة على المرأة داخل هذه العلاقة الشاذة، على اعتبارها الطرف الأضعف الذي يتحمل تبعات هذه الممارسات، دون الحديث عن الطرف الثاني الممثل في صورة الرجل المبتز الذي يستغل حالة الضياع التي تعيشها المرأة العاجزة. «أعتقد أن الشخص الذي يدفع المرأة لهذه المساومات، شخص يفتقد للوازع الأخلاقي أو الديني، لذا لا يتردد في استغلال حاجتها المادية من أجل استغلالها جنسيا، مقابل توفير بعض الإمتيازات المادية التي تحتاجها لإعالة أبنائها وأسرتها« تقول الإختصاصية النفسية إدومهيدي التي لم تتردد في سرد العديد من الحالات التي تكشف عن نوعية خاصة لرجال لم تتردد في وصفهم بالمرضى النفسيين الفاقدين للتوازن العاطفي، وحمل العديد من المكبوتات الجنسية.
تنازلات عبر الأنترنيت
لا تقتصر ظاهرة تقديم الخدمات الجنسية مقابل إمتيازات على النساء المسحوقات اجتماعيا اللواتي يبررن “استثمار” أجسادهن باسم الضرورة لتأمين حياة أبنائهن، بل توجد العديد من الأمثلة عن فتيات لم يتحملن الأعباء الأسرية بعد، لكنهن اخترن دخول التجربة بعد أن وقعن ضحايا عالم الموضة، والحياة “المرحة” التي لم يستطعن إليها سبيلا بسبب وضعية أسرهن الإجتماعية.
«أنا كنشوف العجب قدام عيني كل نهار.. الله يستر بناتنا و بنات كاع المسلمين» يقول الحاج الذي يقضي معظم وقته داخل محل الأنترنيت الذي يملكه ويفوض إدارته لإحدى الشابات. كان “جوهر العجب” الذي يتحدث عنه الحاج يتلخص في الفتيات اللواتي يرددن على مسامعه كلاما بمختلف اللهجات العربية، طمعا في الحصول على عريس خليجي أو مشرقي وفقا لاعتقاد الحاج. غير أن “العجب” الذي يغيب عن الحاج وتعلم تفاصيله الشابة المشرفة على المحل باعتبارها الأقرب لعالم المراهقات يتمثل في استعداد الفتيات لفعل المستحيل من أجل الحصول على امتيازات مادية يرسل بها “المعجبون الأسخياء”.
جلوس الفتيات الطويل أمام غرف الدردشة مكنهن من التعرف على العديد من التقنيات التي لم تكن منتشرة داخل المغرب، والتي أتت من دول الخليج المحافظة، حيث الشباب على استعداد لإرسال تعبئة نحو أي هاتف نقال يحمل له صوت أنثى، مقابل أن تدخل معه في دردشات. إلى جانب التجربة الخليجية كانت هناك التجربة اللبنانية للعديد من الفتيات اللواتي يتعرفن على شباب خليجي عبر غرف الدردشة، لتتطور العلاقة إلى لقاء مباشر داخل فنادق لبنان تقضي من خلالها الفتاة ما تيسر لها من لحظات المتعة. «أعرف فتاة تمكنت من التعرف على خليجي، وقد كان يرسل لها مبلغا شهريا مقابل تبادل الكلام معها مطولا، وقد طلبت مني في إحدى المرات أن أساعدها على إرسال صور له بعد أن عجزت عن القيام بالأمر بسبب مشكل في الحاسوب، عندما فتحت الملف وجدت أنه يحتوي على صور لها بملابس داخلية، والغريب أن الصور ألتقطت داخل محل للتصوير، عرفت فيما بعد أن هناك محل تمتلكه امرأة تلتقط الصور لكل الفتيات الراغبات في أخذ صور بملابس داخلية، أو بملابس مثيرة… بعد مدة لم تعد الفتاة تتردد على المحل لأنها تمكنت من الحصول على حاسوب شخصي، ثم سمعت أنها سافرت نحو لبنان» تقول الشابة التي لم تتردد في سرد العديد من القصص التي سمعتها من مراهقات لا يترددن في تقديم محادثات” ساخنة” مع شباب من أجل الحصول على تعبئة الهاتف، مع الطمع في الحصول على امتيازات أكثر قيمة، غير أن الأمر لا ينجح في معظم الأحيان، لأن الشباب المقتدر داخل المغرب له قنواته الخاصة في الحصول على المتعة.
الجنس في مقابل «الأمان» الاجتماعي
على عكس فتيات المحادثات الماجنة، لم تتردد سعاد ابنة تطوان من تقديم خدمات تفوق المحادثات طمعا في الوصول إلى أمان اجتماعي بعد أن حرمتها الأقدار نعمة الأمان المادي. داخل أحد أحياء «الحمامة البيضاء» ترعرت سعاد وسط أسرة فقيرة. لتعيش مراحل عمرية بئيسة خاصة بعد فقد الأب والمعيل الوحيد للأسرة الصغيرة. كان طموحها أنذاك، يتجاوز حدود بيئتها المتواضعة إلى حيث وفرة المال والحياة الكريمة. عملت سعاد لسنوات، كنادلة في أحد المقاهي. إضافة إلى عاملة تنظيف بإحدى الشركات من أجل توفير مبلغ مالي على رأس كل شهر، يمكنها من تحمل أعباء زوج عاطل متسلط.
استسلمت سعاد لدوامة الحظ «التعيس». وانخرطت في حياة على إيقاع التسيب. خاصة بعد تعرفها على عاملات جنس يقطن غير بعيد من حيها البئيس. كان المقابل المادي الذي يتقاضينه صديقاتها، عاملا محفزا لها على الإنخراط في عالم الخدمات الجنسية مقابل امتياز العيش الكريم.
حدود مغامراتها غير المحسوبة لم تقف عند هذا الحد. أدمنت العاملة البسيطة على العلاقات الجنسية السريعة مع مسؤول شركة التنظيف داخل أروقة الشركات التي تشتغل بها من أجل الحفاظ على عملها، وفي الوقت نفسه الحصول على امتياز الساعات الإضافية، التي مكنتها من جني مداخيل مادية محترمة.
تمكنت سعاد بعد سنوات من شراء بقعة أرضية. في الوقت الذي كانت فيه قادرة على توفير جزء من المبالغ التي كانت تتحصل عليها من وراء امتياز «عرق الأجساد» في الإنفاق على زوجها المدمن، وعلى أمها الكسيحة.
تعيش سعاد اليوم، حسب ما ذكرته فاعلة جمعوية تعرفها، بشقة كبيرة تقع وسط المدينة رفقة أمها وطفل صغير كان ثمرة زواج فاشل. تكد وتجتهد في عملها كمشرفة على قطاع عاملات التنظيف بالشركة، وتمارس في الوقت نفسه مغامراتها الجنسية المحمية من أجل امتياز «الأمان الاجتماعي».

المعاناة النفسية تحضر بقوة في صفوف الفقيرات وتغيب بين الميسورات

تؤكد الدكتورة حورية إدومهيدي الإختصاصية النفسية إنطلاقا من تجربتها الميدانية على خطورة ظاهرة تقديم الخدمات الجنسية مقابل الحصول على بعض الإمتيازات، وعلى الرغم من أن الظاهرة منتشرة بين العديد من الفئات الإجتماعية، وتضم العديد من الأمثلة ومن بينها إمكانية الحصول على امتيازات ضخمة قد تصل إلى سيارات ومنازل فخمة، أو تفويت صفقات، إلا أن إدومهيدي ترى أن التجارب الأكثر قسوة هي تلك التي تمارس من قبل نساء في وضعيات اجتماعية صعبة، مثل الأرامل، والمطلقات، وزوجات العاطلين عن العمل، «لأن هذا الصنف من النساء يعيش معاناة حقيقية ويشعرن بالقذارة لأنهن اخترن تبني هذا السلوك بسبب الفقر، والحاجة لإطعام أبنائهن وإنقاذهم من التشرد.. لذا نلاحظ أثناء جلسات الإستماع أن هذه الفئة من النساء يكرهن أنفسهن بشكل كبير لأنهن يخضعن للإستغلال والمساومات» تقول الإختصاصية.
في المقابل توجد نساء يلجن عالم المساومات بمحض إرادتهن على الرغم من أحوالهن المادية الجدية، وذلك من أجل الحصول على امتيازات تدخل في خانة الكماليات، «لذا نلاحظ غياب المعاناة النفسية بين صفوف هذا النوع، لأنهن اخترن هذا النمط من الحياة بدون وجود ضغوطات خارجية أو أسباب اجتماعية.. من الممكن لهذة الفئة أن تشعر بالندم عند بلوغ سن متقدم لأنه يتم الاستغناء عنهن»
وتشير إدومهيدي إلى وجود حالات يدفع فيها الزوج زوجته داخل الطبقة الميسورة لتقديم تنازلات من أجل الحصول على امتيازات معينة، أو ترقية، أو الفوز بصفقة، لذا لا يتردد في غض الطرف عن تصرفات زوجته، بل يعمل أحيانا على الضغط عليها من أجل الحضور إلى حفلات ولقاءات تخص عمله، وتعزى هذه السلوكات بالنسبة للاختصاصية إلى تبني أصحاب هذه السلوكات لمفهوم خاص حول الحياة يتمحور حول موضوعي المال والجنس، «لكن أكرر أن الشق المؤلم في الظاهرة هو حين تكون المرأة فقيرة لأن معاناتها النفسية تكون رهيبة، وتشعر بالذل والمهانة والقذارة، لكن البديل يغيب بالنسبة لها، لذا صراحة أنا أتجرع المرارة وأشعر بالكثير من الألم كلما صادفت هذا النوع من النساء لأنهن ضعيفات لا حيلة لهن» تقول إدومهيدي.
هذه حقيقة الظاهرة التي تتضارب حولها ردود الأفعال، لكن ما هو الحل؟. «بالنسبة لي عندما أقف أمام هذه العينة من النساء أجد أنه لا توجد حلول حقيقية، لأن المسألة ليست فقدانا لتوازن نفسي، إنها الحاجة التي تدفعهن للخضوع مكرهات بسبب الظروف الاجتماعية القاسية.. منطقيا يجب أن أنصحهن بالبحث عن العمل، لكن المشكل غياب أي فرص لإيجاد عمل بديل، لذا نجد أن الكثير من النساء يقدمن خدمات جنسية لرؤسائهم في العمل حتى لا يتم طردهن» تقول إدومهيدي.
يغيب الحل إذا، لكن الظروف التي قد تؤدي ببعض النساء إلى الوقوع فريسة بعض المستغلين لاتزال قائمة، فزوجات العمال التقليدين على سبيل المثال معرضات لعيش هذه التجربة بسبب ظروف العمل غير الآمنة بالنسبة للأزواج، وهذا يعني أنه في حال توفي الزوج من الممكن أن تصبح المرأة عرضة لأي مساومة من أجل الحصول علي امتيازات مادية، »وكثيرا ما تضعف المرأة بسبب أبنائها، لأنها تجد نفسها أرملة بدون دخل، لذا أنا أرى أن الزوج المحروم من حقوقه أثناء حياته، من الطبيعي أن تصبح زوجته عرضة للضياع بعد أول يوم من وفاته، هناك حالات كثيرة نقف عليها باستمرار على الرغم من حالة التعتيم عليها«
وعلى الرغم من حالة الأمل التي خلقها إحداث صندوق التكافل، إلا أن الأمر يبقى غير كاف بالنسبة لإدومهيدي التي تقف على حجم المعاناة، «ماسيوفره الصندوق قليل جدا بالنسبة للإحتياجات المادية اليومية الملقاة على عاتق الأرملة والمطلقة.. هاد المرا منين غادي توفر لولادها الماكلة، والشراب، والحوايج، والسكن، والأدوات، والعلاج وبزاف ديال الحوايج.. لن يكون من بديل لها سوى الإستغناء عن جسدها لرئيسها من أجل الحفاظ على مدخولها الهزيل، وإلا سيكون مآلها الطرد إذا تمنعت، وهنا لا مكان لها هي وأبنائها سوى الشارع والجوع والعطش… نحن بحاجة إلى حلول حقيقية بعيدا عن الأحكام المسبقة، لأن ما يدفع النساء إلى الخضوع رغم رفضهن هو الفقر«
سكينة بنزين / محمد كريم كفال


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق